حكاية الفتى الذى حمل مفتاح كنز الملك سيتى
و قصة السرداب الملكى من بلزونى إلى سيد عبد الرسول
سيد عبد الرسول لافتى الذى حمل مفتاح كنز الملك سيتى
الشيخ على عبد الرسول الذى مات بحثاً عن الطريق إلى سرداب الملك
بلزونى : أكبر مغامر فى تاريخ الآثار المصرية
هنا لا تستطيع الا أن تسجد فى محراب التاريخ حيث مدينة التاريخ والذهب والطلاسم مدينة الملوك والموت والبعث حيث الفناء برهبته والصمت بوحشيته والعالم الآخر بغموضه فى أشهر قرية فى العالم بل فى التاريخ المتحف العالمى الخالد القرنة
من على البعد يطالعنا تمثالا ممنون آلهة الأرض تكاد تسمع أصوات الموسيقى المقدسة تصدح ... هنا فوق كل شبر قصة ربما يمتد عمرها فى أغوار الزمن الآف السنين .. وفى كل ناحية حكاية ..
هنا وهنا فقط تستطيع أن تشاهد فراعنة مصر أحياء .. يتحركون ويعملون ويمارسون مهنهم التاريخية التى توارثوها جيلا بعد جيل بعد أن جبروا أسرارها فى مدرسة الفطرة .. هنا يعيش الناس على التاريخ والتراث ومصدر دخلهم أيضا من التاريخ .
يجذبنا عبق الماضى القليد إلى قرية القرنة .. كان بودى أن ابدأ من قرية القرنة الجديدة التحفة المعمارية لشيخ المهندسين حسن فتحى والتى تحولت إلى ركام من المبانى المشوهة وأطلال قباب وغابة من الأسمنت يقول مرافقى أحمد عبد الوهاب "لم أحزن فى حياتى قدر ما حزنت على هذا الأثر المعمارى الرائع الذى حوله الإهمال إلى جبل من القذارة أنه تراث يتبدد بين أيدينا وعلى مرأى ومسمع من الجميع وفى ملتقى كل العابرين إلى مدينة الأسرار.
وعلى الطريق الذى ازدان بأوراق وزهور البردى واشجار النخيل والخضرة التى تتضائل كلما اقتربنا من القرنة القديمة فى أحضان الجبل الشامخ ندلف إلى فندق "المرسم" ذلك البناء الريفى المتواضع الذى بناه الشيخ على عبد الرسول الرجل الذى عاش يحلم بكشف سر مقبرة الملك سيتى وحمل مفتاحها يطرق به على أبواب الروتين والتعقيدات الإدارية والتحديات وظل صامدا أمام الباب الملكى.
ولم يمت قبل أن يسم المفتاح لأبنه الوحيد سيد الذى حمله على كاهله الواهن .. فحمل أمانة تنوء بحملها أحجار المعابد الضخمة وهو الذى لم يتخطى عمره ستة عشر عاما فى بداية تعليمه الثانوى.
وفندق المرسم الذى أنشى سنة 1945 وكان ملتقى كبار فنانى مصر من خريجى مدرسة الفنون الجميلة فكلية الفنون حيث عمق التاريخ وجمال الطبيعة وشموخ الآثار .. فكان مدرسة لعبت دوراً رائداً فى تاريخ الفن المصرى الحديث حتى أغلق سنة 1967 وتوارى فى متاحف النسيان وهو الذى خطط له يوما ليكون أو كلية للفنون الجميلة فى صعيد مصر .. وظل راقدا على زكريات لم تسجل أيضاً.
يجعلنا اللقاء مع أحفاد أسرة عبد الرسول أشهر الأسر فى تاريخ الآثار المصرية منذ كشف جدهم محمد عبد الرسول فى شهر يناير 1881 الخبيئة الأثرية الملكية بمعبد الملكة حتشبسوت الشهير الدير البحرى وأبلغ عنها للسلطات وكانت تضخم عددا من الموميات الملكية ضمها الآن المتحف المصرى.
فقد ضلت هذه الأسرة تتوارث أسرار الكنوز الأثرية وتترك بصماتها على كل آثار المنطقة. لتقف عند حكاية الشيخ على عبد الرسول الذى ظل عمره (1913 – 1988) يحمل مفتاح كنز الملك سيتى حالما بتحقيق أول كشف أثرى على يد مصرى وعلى نفقته. ذلك الكنز الذى هداه إليه أبوه محمد عبد الرسول الذى عمل مقاولا للحفر فى المقبرة التى كشفها المغامر الايطالى "باتيستا حيوقبانى بلزونى" الذى جاء للبحث عن منابع النيل وشدته مقابر الأقصر. وكنوز القرنة فقرر أن يمارس هواية المغامرة فى الجبل الذى كان نهبا للمغامرين والأفاقين ولصوص الآثار واستطاع أن يعيد حفر مقبرة الملك سيتى الأول بمساعدة الشيخ محمد عبد الرسول. وحدث أثناء الحفر عندما كان العمال ينقلون الحجارة من السرداب الداخلى لفت نظر الشيخ محمد عبد الرسول درجات السلم التى تؤدى إلى مدخل مجرى عرف بحكم خبرته فى المقابر أنه باب الدخول إلى حجرة الكنز الملكى وأدرك أنه توصل إلى سر الكنز فأعاد مع عماله ردم السرداب وعندما جاء بلزونى أطفأ العمال السراج وأثاروا الغبار وأحاطوا بتابوت مرمرى وسط القاعة وقال له محمد عبد الرسول عن هذا أقصى ما وصل إليه يحثهم فحمل بلزونى التابوت الذى باعه بعد ذلك وظل محمد عبد الرسول يحفظ سر سرداب الكنز الملكى ولم يفض به إلا إلى أبنه الشيخ على عبد الرسول.
ومات محمد عبد الرسول وعقب ثورة 23 يوليو 52 تقدم الشيخ على عبد الرسول بطلب إلى مصلحة الآثار لحفر سرداب الكنز وشكلت لجنة برئاسة الأثري الدكتور أنور شكرى لدراسة الطلب وتم التصريح له بالحفر. وبدء الحفر فعلا سنة 1961 فى شهر رمضان وبعد عشرون عاما وصل الشيخ على عبد الرسول إلى درجات السلم والواجهة المبنية بالجير والجبس فى السرداب ووقف أمام الباب الملكى وتأكد الاكتشاف. وهنا صدر الأمر بإيقاف العمل وإعادة ردم السرداب بحجة أن المصلحة ليس بها مهندسين لانشغال مهندس المصلحة فى انقاد آثار النوبة أثناء بناء السد العالى.
وبدأت رحلة نضال الشيخ على مع مصلحة الآثار وأنهكته تلال الروتين .. وظل يصرخ فى الصحف المصرية والعالمية وكلما ازداد إصرارا ازدادت مصلحة الآثار تعنتا حتى لاقى ربه سنة 1988 بعد أن أوصى ابنه الوحيد سيد 16 سنة بالاستمرار.
يقول سيد عبد الرسول الشاب الذى حمل مفتاح كنز الملك لقد وهب والذى رحمه الله حياته ليكون أول مصرى يكتشف كنزاً فى وادى الملوك ولقد أورثنى ما يثبت حقه فى هذا الكشف ولن أتوانى عن الاستمرار فى مواصلة المسيرة بالطرق الشرعية لكشف الكنز مهما كلفنى هذا من ثمن. ويتدخل الحاج بدوى عبد الرسول ليطرح تساؤلاً هل ماطلت الهيئة ليظهر الكشف يوما بعد نسيان قصته باسم أحد الأثريين الكبار.
ويستدرك الأستاذ على اليمنى عبد الرسول لم يعد فى مقدور أحد أن ينسب الكشف لنفسه أننا نملك الوثائق التى تؤكد سبق جدنا بكشفه.
أحمل أوراقى مهرولاً إلى مصلحة الآثار أحمل فى جعبتى كل التساؤلات .. التقى فى البوابة بالأستاذ حشمت أديب مدير عام التوثيق الأثري بمصلحة الآثار الذى أكد لى أن مصلحة الآثار حريصة كل الحرص على تراث مصر الحضارى الذى يمثل أكثر من ثلثى التراث الحضارى للعالم والحفاظ عليها ايضاً كقيمة اقتصادية تدر على مصر أكبر دخل من العملة الأجنبية إلى جانب قيمتها التاريخية وأكد أيضا أن المكتشف من آثار المصرية لا يمثل سوى ثلث الآثار الموجودة فى مصر. أما بالنسبة لسرداب الملك سيتى فيقول أن مصلحة الآثار أوقفت الحفر لأسباب فنية طبقاً لما قرر المتخصصون حيث أن الحفر وصل إلى عمق كبير من الممكن أن يؤثر على سلامة المقبرة التى تعد من أجمل المقابر المصرية بوادى الملوك خاصة وان وجود الكنز فى السرداب محتمل وغير مؤكد لأنه يعتمد على الرواية لا على أساس علمى لقد راعت المصلحة اعتبارات علمية حرصاً على المقبرة وليس بين المصلحة والشيخ على عبد الرسول ضغائن وبالعكس نحن نسمح للبعثات العلمية بالتنقيب المهم أن يكون التنقيب وفق خطة مدروسة لأن التنقيب عن الآثار علم له أصوله.
لا أستطيع أن أغادر القرنة دون حكاية وحكايات من أمجادنا أأمل أن تتسع لها صفحات أعدادنا القادمة.