الزمالك فعلاً حدوتة مصرية.. هو لا يكذب ولا يتجمل بل يقدم نفسه صورة حقيقية ومرآة صادقة لمصر.. هو صادق جداً فى هذا النقل المعبر عن الواقع المصرى.. وإذا كنا نريد لمصر نهوضاً وثاباً فإننا نريد للزمالك أيضاً نهوضاً وثاباً.. ويكفى أن الفكرة التى تختمر فى رأس الزملكاوية هى نفس الفكرة التى تختمر فى رأس المصريين.. وهى أن أعداءهما يريدون منهما ألا ينهضا وألا يموتا.. أن يبقيا فى وضع الذى يشرف على الموت ولا يموت.. يرقد طريح الفراش فلا يكون له دور ولا إرادة ولا مكانة..
وهما مصر والزمالك يتشابهان فى أن أبناءهما يعيشون فى الماضى ولا يعيشون الحاضر والمستقبل.. تحولت همومهما العامة إلى هموم خاصة فاشتبكوا فى معارك المصالح والانتفاع وبناء الذات وليس بناء الكيان.. ويتشابهان كذلك فى توقف عجلة السير إلى الأمام بل ربما يسيران إلى الخلف بينما الآخرون يتقدمون ويسيرون إلى الأمام.. ويمتد التشابه إلى مجموعة الحكايات المؤلمة غالباً والثرية بالمتناقضات والتقلبات فى السنوات العشر الأخيرة.. والاثنان فى حالة انتظار دائمة للوقوف على قدميهما لكن يطول الانتظار ويتعذر الوقوف.. هما يفيقان أحياناً كفارس التأمت جراحه وأراد بشجاعته التى ورثها من أجداده أن يفك الحصار عنه إلا أن قواه الخائرة لا تساعده ولا يتقدم المتعاطفون معه ليساعدوه..
الزمالك ليس فريق كرة ولا مبنى مترامى الأطراف.. بل هو جزء من تاريخ مصر.. لم يرتبط بنشأة الرياضة فقط.. بل ارتبط بنشأة المجتمع والتحول السياسى والتفاعل الاجتماعى فى عصر مقاومة الاستعمار تحت مظلة الملكية.. معبراً عن أسلوب خاص فى تحرير مصر من الأجانب.. وصنعوا له الأجانب وجها لوجه لكى تختبر وطنيته.. ولو أنه نشأ من المصريين فقط لكان جزءاً من حركة وطنية عامة.. إنما كان حركة وطنية خاصة جداً موزعة بين التفاعل مع الوطنيين فى كل أرجاء مصر ومقاوماً خاصاً للأجانب فى مهمة شديدة الخصوصية منفصلة بذاتها.. وانتصر الزمالك فى معركة الوطنية.. لتصبح نشأته الرياضية مقرونة بنشأة سياسية وطنية امتدت تفاعلاتها مع حركة اجتماعية ونشاط يعزز فكرة التحرر..
لم تكن نشأة الزمالك تقليدية أو عادية حتى تعتبره الآن نادياً عادياً لا تعنينا حالته الراهنة.. فبقدر ما كانت بدايته كان قدر اهتمامنا بمسيرته ونهايته.. وبقدر ما له من شعبية فى مصر والعالم العربى كان قدر اهتمامنا أن يظل أحد مظاهر الريادة المصرية.. وهذا يكفى لأن ينتبه الجميع لمخاطر ضياع الزمالك ولأهمية استنهاضه ليقف ويستعيد ذاكرته ويكتشف من جديد قيمته وخطورة هوانه على الناس..
إذن فى مثل هذه الحالات لا مفر من أن يكون الزمالك مسؤولية دولة لا مسؤولية مؤسسة رياضية أعلى.. خاصة أن الاختلاط بين السياسة والرياضة أصبح فى ذروة تفاعلاته فكيف يقع التناقض ولا تتدخل السياسة فى شأن ممثل رفيع المستوى للرياضة المصرية.. إلى متى تظل الدولة تنظر إلى الزمالك وكأنه متحف معرض للسرقة والإهمال وإهدار «علامات» التاريخ..هل تريد الدولة أن يتحول الزمالك إلى مجرد متحف للزيارة والتعرف على التاريخ فقط وهى بمقدورها أن تبقى عليه حياً نابضاً بالحياة يربط الماضى بالحاضر ويمد الجسور إلى المستقبل ليشذ عن قاعدة الفصل بين تاريخنا وحاضرنا فى المجالات الأخرى..
ليست الدولة عاجزة لكنها مهملة.. فهى تستطيع أن تضع حداً للانهيار.. لن يعاتبها ولن يعارضها ولن ينتقدها أحد إذا أسرعت بتسوية أوضاع الزمالك بروح القانون ما دام القانون نفسه أصبح مصدراً للإزعاج.. ولديها من الأدوات التى تفرض الحلول فى أيام قليلة وأبسطها أن تضع على رأس القيادة اسماً من الأسماء الكبيرة القادرة على إحكام السيطرة على النادى دون أى مقاومة.. تستطيع أن تفعل ذلك بالتعيين أو بالانتخاب.. لا بد أن تشارك قطاعاً عريضاً من الشعب المصرى فى ندائه واستغاثته : يا زمالك انهض والتقط سيفك وامتط جوادك.. وهو شعار هذا الملف الذى حرص اليوم السابع على أن يبدأ به عملية منتظرة لإنقاذ الزمالك من المهالك..