كان
الوصول الي الجاني صعبا.. أومستحيلا.. هكذا ظن اهل القتيلة.. وبعض الضباط
الذين عاينوا مسرح الحادث.. فالزوجة الشابة داليا ترقد جثة هامدة وسط بركة
من الدماء والي جوارها طفلتها الرضيعة تصرخ وتبكي وملابسها ملطخة بدماء
أمها!.. لا أثار لعنف او مقاومة كما تشير المعاينة.. ولا أشياء مسروقة..
ولا نوافذ مكسورة.. فما هو الدافع الي القتل اذن طالما ان التحريات أكدت
ايضا..
ان القتيلة كانت امرأة فوق مستوي الشبهات بل تحظي بسمعة طيبة للغاية؟!..
فإذا تم استبعاد السرقة أو الاغتصاب أو الخيانة فماذا يتبقي امام فريق
البحث؟! المعلومة المؤكدة أن الجاني ليس غريبا علي البيت.. فهل يكون
الزوج؟!.. الاجابة ايضا كانت في صالح الزوج الذي تربطه بزوجته القتيلة قصة
حب يعرفها كل اهالي دقهلة بمركز الزرقا في دمياط.. فلا يذكر الناس اسم
هاني وداليا إلا ويتذكر الجميع الحب الكبير الذي عاشاه قبل وبعد
زواجهما!.. ورغم هذه التعقيدات التقط مدير مباحث دمياط خيطها رفيعا كان
لابد أن يصل بالعدالة الي مرتكب الجريمة.. تم القبض عليه وبعد محاصرته
بالاسئلة عن الخطأ الذي لم يتنبه إليه إنهار واعترف انه القاتل!.. أما
المفاجأة فقد تمثلت في أن القاتل هو الزوج نفسه!'
'أخبار الحوادث' تابعت تفاصيل الحادث الذي صار حديث الناس في البلدة
الصغيرة منذ قتل هاني داليا في بيت الزوجية وحتي أكتشاف كلمة السر التي
كشفت عن شخصيته.. ولنبدأ من آخر ليالي الحب بين هاني وداليا.. وهي نفسها
ليلة ارتكاب الجريمة!
أنتهت داليا الزوجة الشابة التي لم تناهز الثانية والعشرين من عمرها من
اعمال تنظيف شقتها الفاخرة.. كانت عقارب الساعة تقترب من الثانية بعد
منتصف الليل.. الشعور بالارهاق الشديد لم ينجح في هزيمة ملامح وجهها
الجميلة.. لكن قبل أن تدخل الي غرفة نومها لم تنسي ان تقترب من زوجها رجل
الاعمال الشاب وتهمس في أذنيه كعادتها كل ليلة:
عايز مني أي حاجة ياحبيبي؟
يرد هاني بملامح مقتضبة: لا!
تصبح علي خير.
رد عليها بنظرة غريبة لم تفهم معناها!
في هدوء .. اقتربت داليا من صغيرتها الوحيدة..
الطفلة الجميلة 'أسماء' عام ثمرة رحلة زواج عمرها عامين حتي الان.. أقتربت
من وجهها البريء وهي نائمة في سريرها الصغير كالملائكة.. طبعت علي خدها
قبلة حانية وهي تملي عينيها بنظرة عميقة من وجهها الملائكي.. وشفتاها
الرقيقتان ترسمان ابتسامة ما أجملها ابتسامة أم تعيش أحلي لحظات حياتها
وهي تغوص بنظراتها في ملاكها الصغيرة.. ونور عينيها.. اطمأنت داليا علي
اسماء. دخلت الي سريرها.. ألقت بجسدها المكدود فوقه.. اسلمت عينيها للنعاس
الذي لم يتأخر في تلبية نداء النوم بعد يوم عمل شاق بالمنزل الرحيب!
ليلة عاصفة!
بعد قليل.. يدخل هاني غرفة النوم.. اضاءة الاباجورة. الخافتة تعكس له
خيالا شيطانيا.. خاصة وهو يرسل إلي داليا نظرات نارية كالسهام.. لم تكن
تحمل أي معني لمشاعر الحب والاعجاب التي جعلته يوما يهيم بداليا حبا ولم
يتمن خلالها أي أمنية في الحياة سوي ان تكلل هذه المشاعر بالزواج..!.. لكن
هذه النظرات كانت تحمل معاني أخري.. لم يعرفها هاني من قبل..
وأيضا لم تعرفها الزوجة البريئة المستغرقة في النوم.. في تلك اللحظات..
تبدلت كل مشاعر الحب والاحلام الوردية التي جمعت بين هاني وداليا قبل ثلاث
سنوات بمشاعر أخري شيطانية لا تعرف سوي الدماء.. والقتل وازهاق روح
بريئة.. خيالات شيطانية تآمرت علي رأس هاني وأخذته من طبيعته الهادئة
المسالمة.. الي عالم الشياطين. كم هو يكره داليا تلك اللحظات بكل مالها من
جمال.. وأنوثة.. ومشاعر حب تقودها إليه.. كما هي قبيحة أمامه..
كيف تنسي كل مابينهما من حب وعشرة في لحظة وتخون طاعته؟
لماذا خولت لنفسها سلطة الخروج والعودة للمنزل كيفما تريد دون أن تستأذنه
حتي لو كان هذا المشوار الذي خرجت إليه منزل والدها.. الذي لم يبعد عن
منزله سوي أمتار قليلة؟!
خائنة.. لا تستحق غير الموت.. لا يمكن ان تعيش معي يوما آخر! هكذا ظل هاني
تائها في هذه الخيالات المريضة وهو يشعل سيجارة من الاخري.. حتي انه لم
يشعر بنفسه وهو تائة وسط سحب الدخان التي ملأت كل أركان الغرفة..!
لم يتحرك هاني من الكرسي الذي يجلس عليه فقد الساعات الاولي من الليل حتي
اشرقت شمس صباح يوم جديد.. ارتدي ملابسه.. وغادر المنزل متوجها إلي
المحلات التجارية التي يملكها بنفس القرية 'دقهلة' مركز الزرقا بدمياط..
لكن الحال لم يتغير.. مازال هاني متوترا.. لم يجلس في المحل الكبير سوي
دقائق معدودة لم ينطق خلالها بكلمة واحدة.. حتي أتخذ قراره المصيري الذي
سلبه كل اسلحة المقاومة التي دخلت معه في حرب شرسة استمرت 24 ساعة.. عاد
الي منزل مسرعا.. كانت الساعة لم تتجاوز العاشرة صباحا.. دخل شقته
الفاخرة.. استدارت داليا علي صوت الباب.. قالت:
مين اللي بره؟ أنا ياداليا!
خير ياهاني.. يعني رجعت من الشغل بدري.. أنت نسيت حاجة؟
أيوه.. بعض الاوراق الخاصة بالحسابات!
دخل هاني لغرفة النوم ليأخد الاوراق المزعومة.. بينما راحت داليا تعد طعام
الافطار لطفلتها الجميلة اسماء بالمطبخ التي هزمها الجوع.. وجعلها تبكي..
القتيلة وصغيرتها أسماء
انتظر هاني حتي سكت صوت بكاء اسماء.. فقد بدأت تتناول الرضعة التي أحضرتها
لها داليا.. مشي علي أطراف اصابعه حتي وصل الي مدخل المطبخ.. أمسك بسكين
كبير.. نادي علي داليا. استدارت الزوجة المسكينة ليعاجلها بطعنة قاتلة في
رقبتها اسقطتها الارض سابحة في بركة من الدماء.. غطت ارضية المطبخ..
وفارقت الحياة وهي تنطق بآخر كلمة قبل ان تسلم الروح:
أسماء.. أسماء.. حتوحشيني!
دموع أسماء!
لم يتحرك للزوج القاتل اي ساكن.. لم يسقط مغشيا عليه امام بشاعة المشهد
الدامي.. المشهد الاكثر بشاعة طفلته الصغيرة التي اختلطت بها دماء أمها
التي ترقد بجوارها جثة هامدة صرخاتها البريئة لم تفلح في إفاقته وأعادته
الي صوابه. ترك المنزل بما فيه وأغلق باب الشقة عائدا إلي عمله! ربما ظن
هاني أن جريمته البشعة التي ارتكبها لن تنال منه.. لكن عدالة السماء كان
لها رأي آخر.. بعد دقائق من ارتكاب الجريمة البشعة.. أبلة نوال عمة
داليا.. التي تعمل مدرسة بالمدرسة القريبة من منزل الزوجة القتيلة تطرق
باب داليا في إصرار.. ويدها لم تبرح زر جرس الشقة الذي يدوي صوته بوضوح!
معقول داليا نايمة لحد دلوقت.. مش عادتها؟
هكذا كانت الأبلة نوال تسأل نفسها في دهشة.. ثم قالت لنفسها:
ربما تكون خرجت لشراء شيء ما؟
قبل أن تنصرف.. تتسمر قدما الأبلة نوال في الارض رغما عنها.. بعد أن تسلل
الي أذنيها صوت بكاء مرتفع من داخل الشقة.. تقترب من الباب أكثر فتتأكد أن
مصدر البكاء الطفلة اسماء!
تتذكر الأبلة نوال أن أم داليا تحتفظ بنسخة من مفتاح الشقة.. أسرعت إليها
وأحضرتها بالمفتاح ما أن فتحت الشقة وجرت نحو مصدر الصوت بالمطبخ حتي سقطت
أم داليا والابلةنوال مغشيا عليهما من هول المشهد البشع! الطفلة المسكينة
ترقد علي الارض وملابسها ملطخة بالدماء ومازالت تطلق صرخاتها البريئة!
أحزان قرية!
أصوات الصرخات تتوالي لتهز أرجاء قرية دقهلة.. بسرعة ينتشر الخبر الحزين
لكل الاهالي الذين استقبلوه بصدمة شديدة.. يتم إبلاغ اللواء السيد رضوان
مدير أمن دمياط بالحادث.. دقائق وينتشر رجال المباحث داخل منزل القتيلة
يتقدمهم العميد أحمد حسين مدير مباحث دمياط والعميد محمد عبدالمنعم رئيس
المباحث الجنائية.. يفحصون جثة القتيلة.. يدققون النظر الي مشهد الطفلة
الباكية التي تغطي ملابسها دماء أمها باعتبارها شاهد الاثبات الوحيد علي
الجريمة.. لكن كيف تتكلم هذه المسكينة وتنطق بالحقيقة المرة.. هل نظراتها
الحزينة كافية لتقول لرجال المباحث.. 'بابا.. قتل ماما'؟
.. ياليتها تتكلم! لكن رجال المباحث لا يمكن اعتمادهم علي شهادة الطفلة
أسماء لتفك اللغز المحير.. انطلق فريق البحث الذي ضم المقدمان احمد عتمان
وكيل المباحث الجنائية واسماعيل رجب مفتش المباحث ليجمع أكبر قدر من
المعلومات والتحريات.. وكانت محصلتها ان داليا المجني عليها تتمتع بسمعة
طيبة.. وتحظي بحب أهل قريتها.. تزوجت منذ عامين من هاني 24 سنة التاجر
الثري وحيد أمه بعد قصة حب وردية جمعت بين قلبيهما.. ولم يربطها أية
خلافات بأحد.. وكانت نموذج يحتذي للزوجة المحبة لزوجها.. المطيعة له..
المحافظة علي بيته.
داليا وهاني أيام السعادة التي لم تدم طويلا!
تتجه عمليات الفحص الي فحص الزوج ومعاملاته.. لكن اثناء مناقشة الزوج يشك
العميد احمد حسين مدير المباحث في كلامه.. خاصة بعد أن تلعثم هاني وهو
يجيب علي سؤال مدير المباحث.
لماذا عدت لمنزلك بسرعة علي غير عادتك وقت ارتكاب الجريمة؟
يتوقف هاني عن الكلام يلوذ بالصمت.. ليفتح خزائن الشك فيه أمام رجال
المباحث .. يتم محاصرته بالاسئلة والاستفسارات.. وتضييق الخناق عليه..
تتفجر المفاجأة.. ينطق هاني صارخا!
أنا اللي قتلتها.. قتلتها!
أنا القاتل!
بعد ان يقوم الرائد عبدالله الغريب رئيس مباحث مركز الزرقا ومعاونه النقيب
محمد ربيع بالتحفظ علي الزوج القاتل.. يقول هاني في اعترافاته المثيرة:
داليا كانت كل شيء في حياتي.. لم يحب رجل زوجته مثلما أحببتها..
كنت أعتقد انها ستفعل المستحيل في سبيل اسعادي.. تتجنب اي شيء يمكن ان يسبب أية مضايقات.. لكن للاسف كنت واهما..
فسرعان ما ذهبت ايام العسل أدراج الرياح.. فوجئت بأن داليا تخرج من البيت
لزيارة اهلها بدون إذني.. وعندما عرفت هذا.. واجهتها.. تحولت مناقشتنا الي
مشاجرة ساخنة .. ادركت خلالها ان داليا طوت بيديها أخر صفحة في كتاب
حياتنا.. الموت كان الحل الوحيد الذي يرد الي كرامتي.. لم أنم ليلة الحادث
حتي الصباح وأنا أفكر في القرار المصيري حتي أقتنعت به فكرت أن أقتلها وهي
نائمة لكن تراجعت.. وقررت أن أقتلها بعد أن تصحو من نومها.. وفعلا.. عدت
من عملي في العاشرة صباحا..
وأنا أعلم انها استيقظت في هذه الساعة من النوم كعادتها.. فوجئت بي اقف
علي باب المطبخ بينما كانت هي بداخله.. أمسكت بالسكين وذبحتها!
بعد أن أدلي هاني باعترافاته المثيرة بجريمته البشعة.. سكن الحزن قرية
دقهلة وهم يبكون أبنة قريتهم داليا.. لم يصدقوا ان حكاية الحب الجميلة بين
هاني وداليا.. انتهت داخل العش السعيد بنهاية حزينة.. وتموت داليا بسكين
حبيبها!
يتم وضع القيود الحديدية في يدي القاتل.. بعرضه علي نيابة الزرقا يتولي
معه التحقيق احمد الغريب مدير النيابة باشراف المستشار راشد رزق المحامي
العام لنيابات دمياط الذي يأمر بحبسه علي ذمة التحقيق بتهمة القتل العمد
مع سبق الاصرار والترصد ويصرح بدفن جثة داليا بعد تشريحها بمعرفة الطبيب
الشرعي.. ولم يبق من الاسرة سوي الطفلة البريئة اسماء.. التي لن تنسي أبدا
ما شاهدته عيناها..