قبيّل غروب شمس الأمس , كنت جالسة في مجلسٍ نسائي , أتبادل
مع قريباتي أحاديثاً وأسمارا , وإذ بطفلةٍ تدخل علينا وقد امتلأت عيناها
دهشةً وسابقتها نحونا نظراتها المتوهجّة بالفرحةِ والظـَفر , جرت صوّب
أمها وقالت لها بملءِ فمها :- ماما , ماما , لقيت قرية نمل ورا , قرية نمل
كبييييييييرةفأجابتها أمها المنشغلة عنها دون أن تلفت لها :- أوكي , أوكي
ماما , لا تدوسين عليهم هذا بيتهم لا تخربينة .
ثم أكملت حديثها مع جارتها التي تشاركها الأريكة , خرجت الطفلة , تقافزت
نحو الباب , خبأت في جيوب سترتها كومة أسئلة , وحفنة فرح , وعادت لتفحّص
اكتشافها العظيم , خارج بيت المزرعة
..خرجت الطفلة , ولكنني لم أخرج من الزوبعة التي أحدثتها في ذهني !ربما
سمعتها أمها بأذن الأم المنهكة من رعاية أطفالها , والتي تجد في مثل هذه
الجلسات متنفساً ومخرجاً من هموم التربيةِ ومجالسة الأطفال .أما أنا ,
فسمعتها بأذن الأديبة التي تتصيّد أي موقفٍ تهبه إياها الحياة , لتصوغ منه
نصاً , قصة ً , أو تأملا ..لذلك , تماثلت أمامي صورةً مستقبليةً لي ,
وعشتُ في أحداثِ القصة التي شَكَلّتـُها في ذهني فلكم الأقصوصة التي خرجت
بها من هذا الموقف :
{ ذات شمسٍ تلملم أطراف أوشحتها الذهبية عن
صدر السماء , جاءتني ابنتي تحمل في عيّنيّها فرحاً كبيرا , تجري وكأن
ديمةٍ سماوية تحمل قدميّها الصغيرتيّن عن الأرض , وكأنها تطير خشية أن
يهرب منها الخبر ..انتصبت أمامي وفتحت ذراعيّها تشرح لي ما وجدته :- ماما
, ماما , لقيت قرية نمل , قرية نمل كبييييييييرةفتركت الكتاب الذي كنت
أقرأه , اعتدلت في جلستي , وتظاهرت بالدهشة , ثم أجبتها :- صــــج ؟ وين
لقيتيها ؟اتسعت عيناها أكثر , أحكَمَت قبضتها , حركت يديّها وقالت :-
والله والله لقيت قرية نمل , وفيها نمل واااايد , ورا بالحوش , تعالي ماما
تعالي شوفيهاانتعلت حذائي , ولحقتها ,
كانت تسرع الخطى , ساقاها
الصغيرتان تضربان الأرض بشدة , وتخلّفانِ ورائهما أملاً بالوصولِ أسرع
..وصلنا , فأشارت لي نحو القرية , أنزلتُ نفسي حتى صرتُ بطولها , أجلستها
على رجلي , وبدأنا بتأمل قرية النمل , شرحت لها بعض المعلومات الصغيرة عن
مملكة النمل , وملكة النمل , حاولنا على مضض أن نعد كل نملةٍ تخرج أو تدخل
, ولكن خبرة ابنتي في الأعداد لم تسعفها !لم تكتفي تلك الفيلسوفة الصغيرة
بمعلومات أمها القليلة , وبدأت تراكم في حجري المزيد والمزيد من الأسئلة
التي لا أملك لها جوابا .لذلك وعدتها أن أصحبها بعد صلاة المغرب إلى مكتبة
جرير , لنبتاع كتاباً علمياً مُبسّطاً
يشرح لها عالم النمل , ووعدتها
أيضاً إن صلت بجانبي أن أقرا لها الكتاب .قبيّل النوم , اندست في فراشها
الزهري الصغير , واندسست بجانبها , وَضَعتُ الكتاب على رجلها وبدأت أقرأ
لها , سعيدةٌ كانت بالصور , بالمعلومات , وبالكتاب ..أنهينا قدراً لا بأس
به , ووعدتها أن أكمل لها في الغد , قبلّتُ وجنتيّها الممتلئتين , أحكمتُ
غطائها , وركنتُ الكتاب على الرف الأول من مكتبتها الصغيرة }